الرسائل الجنسية “Sexting” وتبعاتها

د. عبدالرحمن يحيى القحطاني

سلوك أخلاقي منافٍ لقيمنا الإسلامية، بدأ يظهر في مجتمعنا، وبازدياد مطَّرد، لدى شرائح متعددة من الشباب والفتيات. أقصد بذلك المراسلات الجنسية، أو ما يسمى بالمصطلح الإنجليزي بالسكستينج “Sexting”، الذي يُعرَّف بأنه إرسال أو استقبال رسائل جنسية صريحة أو مبطنة، سواء كانت نصية أو صوراً أو مقاطع فيديو. ويشمل ذلك رسائل الجوال والإيميل والوسائط الاجتماعية كالـ “واتس أب” وغيرها.

وينغمس بعض الشباب من كلا الجنسين في هذا السلوك دون شعورٍ بما قد يترتب عليه من انعكاسات بالغة على التكوين النفسي والاجتماعي للفرد، واحتمالية الولوج في ممارسات مهددة للصحة، هذا عوضاً عن الجانب الإيماني الذي يُعَدّ الأهم.

وعلى سبيل المثال، فقد أوضحت إحدى الدراسات الغربية أن المراهقات اللائي يُرْسِلن صوراً فاضحة أكثر عرضة للدخول في علاقات جنسية وتعاطي المخدرات والكحول من غيرهن. كما وجدت الدراسات أن ممارسة التراسل الجنسي ترتبط باحتمالية ممارسة الجنس مع أكثر من شخص، واحتمالية الإصابة بالأمراض الجنسية المعدية لدى كلا الجنسين. كما تشير بعض الأبحاث إلى أن الفتيات أكثر عرضة للمخاطر المترتبة على التراسل الجنسي مقارنة بالشباب.

كما يصنعُ ضغط الأقران أثره في ذلك؛ حيث ترتفع لدى هذه الفئة نسبة الضغوط من قِبل من يراسلونهم لإرسال صور عارية لأنفسهم!! وينطبق مَثَل “الصاحب ساحب” على نتيجة إحدى الدراسات الأمريكية التي أشارت إلى أن الشخص يكون أكثر عرضة لممارسة التراسل الجنسي عندما يكون لديه أصدقاء يمارسون ذلك!! ولعل من المخاطر الرئيسة لـ “سكستينج” هو نشر الصور الفاضحة، سواء للفتاة أو الشاب، على الإنترنت؛ ما يُمثل صدمة كبيرة على الفرد وإصابته بعلل نفسية، وخصوصاً إذا كانت الضحية هي الفتاة، وقد يخسف بحياتها الأسرية والاجتماعية، ويعرضها للعنف والنبذ من العائلة.

هذا عدا أن إرسال صور شخصية فاضحة يُعرِّض الشخص، ذكراً كان أو أنثى، للابتزاز الجنسي أو المالي، وهذا مشاهَد ملموس، ولا تكاد تمر بضعة أسابيع إلا ونقرأ أو نشاهد في الإعلام مثل ذلك.

وتُعَدّ الدراسات المتعلقة بممارسة الـ”سكستينج” في مجتمعنا نادرة، وهناك فجوة واضحة تجاه دراسة هذا السلوك ونسبة انتشاره في المجتمع؛ وهنا أدعو الباحثين في المجال الاجتماعي والنفسي والصحي لإجراء الدراسات المعنية بذلك، وتحديد نسبة انتشاره ودوافعه وطرق توقّيه.

وأوجِّه رسالة عميقة لكل من تقوم بإرسال صورها الشخصية أن احذري الذئاب البشرية، ولا تكوني ساذجة؛ فتلك الصور يمكن ـ وبكل سهولة ـ أن تصبح سلاحاً يدمر حياتك. وقبل ذلك لنتذكر أن الله – عز وجل – (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ). أما إذا وقعتِ في ذلك الابتزاز فتداركي أمرك، وتواصلي مع الهيئة لمساعدتك في علاج المشكلة.

وللأسرة “المحضن التربوي الأول” الدور الأساس في توعية أبنائها بخطورة هذا السلوك؛ فالوقاية دوماً خير من العلاج؛ فلا بد من توجيه المراهقين حول الاستخدام الأمثل للأجهزة، وتعريفهم بمخاطرها. وقبل إعطاء الجوالات أو الأجهزة الذكية يجب تعريف الأبناء بمخاطرها، بما في ذلك احتمالية تواصل الغرباء معهم وإرسال رسائل جنسية.

ولكن ماذا تصنع إذا وجدت أحد أبنائك، ذكراً كان أو أنثى، يقوم بذلك؟ أولاً استعن بالله، ثم تعامل مع الحدث بحكمة وروية، وكن واضحاً وصريحاً، وتحدَّث معه بلغة المحب والمشفق.. واجمع في تعاملك بين اللين والشدة متى احتجت لذلك.. وذكره بالله وحدوده وغض البصر.. ولا تيأس، وحاول مراراً، وإذا اضطررت فعليك بالاستشارة النفسية له.

وغني عن القول أن للمدرسة والمنهج المدرسي دوراً في ذلك، ولا بد من إكساب مهارات التعامل مع ضغط الأقران، كما لا ننسى دور الخطباء والأئمة في هذا الجانب.

ثم رسالة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهنا لكم دور كبير، ولعل الهيئة تخرج من إطارها التقليدي في توعية الناس، إلى تَبَنِّي حملات وطنية نوعية لتعزيز الأخلاق الإسلامية، يتم التخطيط لها وفق الأسس العلمية المبنية على ما يسمى بالتسويق الاجتماعي.

أما المُبْتَزّ فأذكّره بالله، ثم ليضع نصب عينيه نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، الذي ينص على المعاقبة بمدة لا تزيد على خمس سنوات، والغرامة بما لا يزيد على ثلاثة ملايين، أو بإحداهما، لكل شخص قام بإنتاج أو إعداد أو إرسال ما من شأنه المساس بحرية الحياة الشخصية أو الآداب العامة أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية أو أحد أجهزة الحاسب الآلي.

أما إذا وصلتك رسالة من تلك النوعية.. فافعل خيراً، وأوقفها عندك، ولا تمررها؛ حتى لا تكن شريكاً في الإثم.. ووجِّه نصحك بالحكمة والموعظة الحسنة لمن أرسلها لك.

كل الحوادث مبدؤها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر

يسر مقلتـه مـا ضـر مهجتـه *** لا مرحباً بسرور عاد بالضـرر

وأخيراً، أُذكِّر مَنْ وقع في تلك المعصية بأن ذلك مما يقرب إلى الزنا، والله – عز وجل – يقول (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً).

للمزيد:

http://www.alamal.med.sa/article331.shtml

Leave a Reply

*